قبل أن تتغول رغباته الجنسية، وتتوهج فى جموح، جموح يوجه تصرفاته، ويحكم علاقاته بجيرانه وزملاء دراسته، لم يكن «محمد العشماوى» سوى طفل صغير، لا تعكر براءة طفولته بوادر أى شذوذ، لكن براءة الطفل «الزائدة عن اللزوم» حولته إلى ملاذ لذوى الرغبات الشاذة، وهو استغل ذلك وتحول إلى مصدر دخل له، واشتهر بذلك فى المنطقة التى يسكنها بالغربية، وأصبح موضع شبهة، وأينما يراه أى شخص برفقة آخر يتم التأكد أنهما فعلا أو سيفعلان إثماً يحرمه الدين وترفضه عادات المجتمع، حتى انتقل للعيش بالجيزة والعمل بأحد المقاهى بمنطقة أكتوبر، بعدما ترك الدراسة بمدينة السنطة.
لم تختلف عادات «محمد أمين العشماوى» الشاذة، فسرعان ما تعرف على بعض العاطلين من رواد المقهى الذى يعمل به، وبدأ فى ممارسة تصرفاته الشاذة، حتى جاء موعد تقديم أوراقه للتجنيد، وأصابه الدور، ومن بين الآلاف انضم فى 2009 إلى أحد قطاعات قوات أمن بالقاهرة، ليبدأ «العشماوى» فترة جديدة كبحت جماح رغباته الشاذة، بسبب الطبيعة العسكرية القاسية.
شعور جارف بتأنيب الضمير، انتاب «العشماوى»، بعد قضاء فترة كبيرة خادماً لرغبات شاذة، وقضى الليالى نادماً على ذلك، إلا أن أنه لم يرتدع وقرر تغيير نشاطه إلى التخطيط لكيفية التعدى على الفتيات القاصرات بل والسيدات المتقدمات فى العمر، ولم يأت ذلك بمحض الصدفة بل أخذ الرأى والمشورة من ذوى السوابق الإجرامية فى الهجوم على المنازل وسرقة الشقق السكنية الذين جمعتهم به فترة سجن على خلفية اتهامه بهتك عرض فتاة.
نهاية العام 2009، كان «العشماوى» مكلفاً بقيادة سيارة أحد الضباط، وبدأ فى التفكير والتخطيط للإيقاع بابنة الضابط التى لم يتعد عمرها حينها 16 سنة، وبعد مراقبة دامت أسابيع، استغل المتهم خلو المنزل من الأسرة ما عدا ضحيته، صعد إلى الشقة، وطرق الباب، وفتحت الضحية الباب له، وقبل أن تستفسر عن سبب مجيئه إلى المنزل، هاجمها «العشماوى»، مهدداً إياها، وهتك عرضها ثم لاذ بالهرب، وبعد مراقبة له دامت أياماً قلائل، وإعداد أكمنة تم ضبطه، وأُحيل للمحاكمة وقبع داخل السجن من نهاية 2009 حتى أُفرج عنه يوم 17 نوفمبر 2014.
قرابة 5 سنوات لم تكن كفيلة بتغيير طباعه التى غلبت عليه، حياته داخل السجن كانت مع متهمين فى سرقات الشقق السكنية، وتشكيلات عصابية ضمت مسجلين خطر متورطين فى عمليات مشابهة، وتعلم أصول التخطيط والتنفيذ دون ترك أثر يدل عليه، وهى تحديد الضحية المُستهدفة من إحدى ربات البيوت، ثم مراقبة منزلها، وموعد خروج زوجها وأبنائها إلى المدرسة، ثم الهجوم على المنزل ونيل غرضه تحت تهديد السلاح، أو تحديد فتيات قاصرات وهتك أعراضهن.
أُفرج عن «العشماوى» بعد قضاء عقوبة السجن، لينفذ عملياته الشيطانية بكل حرفية، وذهب للعمل فى أحد المقاهى بالحى الحادى عشر بأكتوبر، وبدأ فى مراقبة عدة منازل، يقف على ناصية أحد الشوارع يراقب سيدة تصطحب ابنها إلى المدرسة، وتعود إلى المنزل مرة أخرى بعد شراء متطلباتها، وما إن تدلف إلى شقتها حتى ينقض عليها «العشماوى»، مهدداً إياها بسكين يخبئه بين طيات ملابسه، حتى ترضخ لطلباته ويغتصبها ثم يغادر المكان، مهدداً إياها بقتل زوجها أو أى من أبنائها إن قامت بإبلاغ الشرطة عما حدث، تعدى المتهم على أكثر من 8 سيدات متبعاً نفس الطريقة.
ولاحظ وجود سنتر تعليمى، وشرع فى تنفيذ المخطط عن طريق الوقوف أمام السنتر التعليمى، وسؤال أى فتاة عن مكان ما -سبق أن درسه- ويعرف أنه مكان مهجور لا تطأه أقدام المارة إلا نادراً، وبعد أن تصف الضحية له المكان، يُلح عليها بطلب اصطحابه إلى هناك، حتى إذا ماتوارا عن الأنظار بدأ فى نهش جسدها، تكرر الحادث قرابة 10 مرات، خلال 18 شهراً، يقف كل فترة أمام مكان مخصص لتجمعات الفتيات، وينقض على فريسته طالباً منها وصف مكان، تصطحبه الفتاة بكل براءة، ويتعدى عليها.
شهر مارس الماضى، لم يكن شهراً عادياً فى حياة «العشماوى» غير الآدمية، فى مطلع الشهر اعتدى المتهم على فتاة، وسرق هاتفها المحمول، واحتفظ به فترة طويلة، لم يكن بباله أن الاحتفاظ بالهاتف هو أول خيط يتم تتبعه من خلاله وسقوطه بعد الواقعة بعدة أسابيع، وفى نهاية الشهر وبالتحديد 25 مارس، هجم «العشماوى» على وحدة سكنية، لاحظ علامات الترف على ساكنيها، استغل عودة الزوجة بمفردها إلى المنزل، وأدخلها إلى الشقة عنوة، واغتصبها تحت تهديد السلاح، وشرع فى قتلها عن طريق طعنها بسكين، ثم استولى على متعلقات ذهبية فاقت قيمتها 40 ألف جنيه، ثم هرب إلى محل إقامته بالغربية حاملاً المسروقات.
المقدم عامر فوزى، رئيس مباحث قسم ثان أكتوبر، تلقى بلاغاً من سيدة بتعرضها للاغتصاب وسرقة متعلقاتها الذهبية على يد مجهول، اللواءان محمود فاروق، مدير الإدارة العامة للمباحث، وجرير مصطفى، مدير المباحث الجنائية، يكلفان العقيد رجب غراب، مفتش مباحث أكتوبر، بتشكيل فريق لسرعة إجراء التحريات، وتحديد المتهم وضبطه، العقيد غراب يعاين منزل المجنى عليها، يستمع لما حدث، يدون أوصاف الجانى، ويباشر التحريات مع فريقه.
التحريات الأولية أشارت إلى أن الجانى من المتخصصين فى سرقات المنازل، وبدأ فريق البحث فى فحص المسجلين خطر السابق اتهامهم فى وقائع مشابهة، تقودهم المعلومات إلى مسجل خطر من الفيوم، يتم التنسيق مع قطاع الأمن العام، واستصدار إذن من النيابة العامة ويُضبط المُشتبه به، وبعد عرضه على المجنى عليها، تبرئ ساحته بقولها «لا مش هو».
بدأ فريق البحث فى فحص بلاغات التحرش والتعدى على السيدات، وتم التوصل إلى خيط صغير فى بلاغ تقدمت به فتاة تتهم مجهولاً بالتعدى عليها وسرقة هاتفها المحمول، بدأ فريق البحث فى تطبيق واحدة من أهم قواعد البحث الجنائى وهى حسن استثمار المعلومات وتتبعها، وآتت عملية البحث ثمارها، وعن طريق التتبع الجغرافى لمكان الهاتف، تمكن ضباط المباحث من تحديد مكان وجود الهاتف المحمول، بمركز السنطة بالغربية. وتم جمع أكبر عدد من المعلومات عن هوية حامل الهاتف، وبالتنسيق مع قطاع الأمن العام ومباحث مديرية أمن الغربية، تم الحصول على صورة للمُشتبه به، وبعرضها على المجنى عليها، أكدت أنه هو من تعدى عليها، وسرق متعلقاتها، وتم تكليف قوة من مباحث أكتوبر بالتوجه إلى مكان وجوده، وتم ضبطه، وتحرير محضر بالواقعة وإحالته للنيابة العامة التى باشرت تحقيقاتها مع المتهم بإشراف المستشار ياسر التلاوى المحامى العام الأول لنيابات جنوب الجيزة.
اعترف المتهم فى التحقيقات وبالتفصيل، بارتكاب قرابة 18 واقعة تحرش واغتصاب وهتك عرض خلال عام ونصف، عن طريق مراقبة المنازل، والهجوم على ربات البيوت بنطاق قسمى شرطة أول وثان أكتوبر، واغتصابهن وسرقة متعلقاتهن، كما اعترف بارتكاب واقعة الشروع فى قتل ربة منزل واغتصابها وسرقة قطع ذهبية فاقت قيمتها 40 ألف جنيه، وتابع المتهم تفاصيل اعترافاته التفصيلية بقوله «أنا عايز أنتقم من البنات والستات عشان اتعمل فيَّا كده وأنا صغير». انتهى المتهم من حديثه أمام رجال المباحث والنيابة العامة وتم إيداعه محبسه، يردد مقولة واحدة «أنا ذئب بشرى أنا عايز الإعدام.. أنا ندمان.. يا رب أتعدم.. أنا عايز عشماوى.. هاتولى عشماوى».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق