هى «وتد» العائلة وعمادها، هى العقل المدبر، والرأى الصائب، لا يفلت قرار من تحت سلطانها، ولا يتحرك ساكن فى البيت إلا بإذنها، هى القائد فى القرارات والمدبر فى الأمور المادية، فى صعيد مصر يلقبونها بـ«الكبيرة»، فى قرية أبومناع بمركز دشنا تقعد فى جلستها تدير أمور قرية بأكملها، إنها «نظيرة عبداللاه»، سيدة سبعينية تدير الأرض والزرع، كلماتها سيف على رقاب الجميع من أصغر أبنائها إلى أكبرهم، بل تمتد سلطتها على رجال القرية وشبابها..
رزقها الله بثلاثة أولاد، أكبرهم «محمد» البالغ من العمر 50 عاماً، هو البكرى الذى التصق اسمه باسمها وصارت شهرتها «أم محمد»، وابنها الأوسط «جابر»، 35 سنة، الذى يعمل فى «الشرطة»، وصغيرها «صابر» الذى تجاوز الثلاثين بعامين، و4 فتيات هن «علا، وحلوة، وثريا، وفهيمة» جميعهن متزوجات، فقدت من نسلها ولدين وبنتين لحقتهم المنية فى الصغر، تعود أصولها إلى قبيلة «العرب» فى محافظة قنا.
تضع «أم محمد»، أمثلة شعبية هى فى الأساس شعار يضعه الكبار نُصب أعينهم، تقول: «الكبير الخربان، الكل من حوله هربان»، و«اللى مالهوش كبير، يشتريله كبير».
وتتذكر «الكبيرة» بعضاً من مواقف النساء فى القرية وقت فيضان النيل، إذ كانت المرأة تنافس الرجل فى الفلاحة، وكانت تتفوق عليه، موضحة أن محصول أرضها كان يتفوّق على محصول المزارعين من الرجال، لافتة إلى أن المرأة الصعيدية الرزينة عندما تعمل شيئاً تتقنه بكل عناية، حتى يؤتى ثماره، موضحة أن هناك رجالاً تركوا منازلهم لزوجاتهم يحمين الأرض والعرض ويرفعن السلاح فى وجه الخطر..
وعن حياتها، قالت إن كل شىء فى البيت أو خارج البيت بأمرها، موضحة أنها قبل وفاة زوجها منذ 20 سنة، كانت هى التى تصدر القرار والرجل كان ينفذ. وتابعت قائلة: «على قد ما المرأة الصعيدية طيبة، لكن شرها كبير، عندما يخالفها أحد، دائماً ما تستخدم كل الحيل والطرق فى تنفيذ قراراتها»، مشيرة إلى أنها تدخلت فى كل زيجات أبنائها، إذ كانت هى صاحبة الرأى فيمن يصبح زوج ابنتها أو زوجة لابنها.
وعن الأحداث السياسية تقول إنه لا يصلح لمصر إلا رجل قوى، يحكم سيطرة الأمور فى البلاد، قائلة: «الحاكم الهين فتنة»، مطالبة الشعب المصرى بالتكاتف لمحاربة الإرهاب الذى يدمّر البلد.
فى محافظات الصعيد يختلف مظهر المرأة الصعيدية، لكن الجوهر واحد، ففى أسوان تبدو وكأنها زعيمة داخل أى اجتماع أو حوار أو حتى صلح بين المتخاصمين، تجلس «كريمة حسن عبدالباسط» فى قبيلة العبابدة، المرأة الخمسينية، والمقيمة بمنطقة الشيخ هارون بمدينة أسوان، التى يقيم أهلها وعشيرتها بنجع الحجر بدراو، شمال محافظة أسوان، تدير أمور أسرتها الصغيرة المكوّنة من 4 أبناء، بنتين وولدين، لكنها تتطرق إلى أمور قبيلتها، بحكم أنها «الكبيرة».
قالت «العبادية» لـ«الوطن»: «أنا من صغرى باشتغل وأعمل فى المقاولات والموبيليات، وباكسب من عرقى وجهدى، وأولادى فخورين بى وبيساعدونى فى أعمال الخير»، مضيفة أنها سعت لإنشاء جمعية «التنمية الاجتماعية للمرأة الأسوانية»، التى من خلالها تطرق جميع الأبواب للسيدات من المحافظة، دون التفرقة، فالكل عندها أسوانى.
وأضافت «العبادية»: الكبير هو اللى كبير بأفعاله مش بكلامه، يعنى فى الصلح يدخل بصدره وقلبه وعقله وكل جوارحه، وممكن يدفع من جيبه فى سبيل أن الصلح يتم، أنا ابنة أسوان كلها ولست عبادية فقط، لكن شهرتى بـ«كريمة العبادية»، انتماءً للقبيلة، لكننى لا أفرق بين أبناء أسوان، وأرى أن كل من عاش وتربى ونشأ فى محافظة أسوان هو ابن أسوان، ولا أفرق بين جعفرى أو عبادى أو نوبى أو هلالى أو أنصارى أو عباسى، فالكل عندى سواء، المهم عندى الحق يظهر، يشهد لها الجميع بسعيها فى الصلح بين قبيلتى «الدابودية» و«الهلالية» فى خلافهما الأخير.
وقالت «العبادية»: «الصلح بين الناس» ده أفضل أوقاتى وقمة فرحتى حين تنتهى المشاكل بين الطرفين ويحضنوا ويسلموا على بعض ويقولوا كلمتهم المشهورة «المسامح كريم».
فيما كسرت «عبلة الهوارى» قواعد قبيلة الهوارة بمساعدة والدها الذى حرص على تعليمها وتربيتها لتصبح شخصية سياسية قيادية، كانت أول فتاة تلتحق بالثانوية العسكرية، ثم كلية الحقوق، إلى أن تبنّت قضايا المرأة، وأصبحت تدافع عن حقها فى التعليم والحصول على الوظائف، وخاضت حروباً شرسة مع قبيلتها لتجعل الفتيات يلتحقن بالتعليم ويتم إدراج أسمائهن فى الجداول الانتخابية ليخترن من يمثلهن فى المجالس المحلية ومجلسى الشعب والشورى، وتصدّرت المشهد السياسى، ليس فقط فى الجانب النسائى، تحكى عن دورها: «حينما ضربت المنطقة سيول لم تشهدها من قبل، شردت عشرات الأسر وهدمت مئات المنازل وتمكنت من تكوين لجنة لإغاثة المنكوبين، وقدمنا مساعدات كبيرة للأهالى وتمكنا من التغلب على تلك الكارثة ومساعدة الناس»، بخلاف مساعداتها المستمرة فى إنشاء المبانى التى تنقص القبيلة، ما بين نقطة شرطة ومدارس وغيرها من المبانى التى لها تأثيرها على زيادة الوعى ونشر الأمن بالمكان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق